فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومع ذلك فكيفما قلبت أمرهم وجدته شعبة يسيرة من كفر الاتحادية. ولك متشبثات قريش التي عابهم الله بها تشبثت بها الاتحادية حتى قولهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] ولوقدم الهوى لكان المعنى أنه حو ل وصفه إلى الألوهية فاضمحل الهوى. ولم يبق إلا ما ينسب إلى الإلهية كما اضمحل الطين في: اتحدت الطين حرقًا. فصار المعنى أن العابد لا يتحرك إلا بحسب ما يأمره به الإله ويصير التركيب يفيد تعظيمه بغلبة الإثبات وإذهاب الهوى غاية الإذهاب. ولوكان التقديم في هذا بحسب السياق من غير اختلاف المعنى لقدم هنا الهوى لأن السياق والسباق له وقد تقدم في سورة الفرقان ما ينفع هنا ومفعول (رأى) الثاني مقدر يدل عليه قوله آخر الكلام {فمن يهديه} تقديره: أيمكن أحدًا غير الله هدايته ما دام هواه موجودًا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله هو ى في القرآن إلا ذمه- انتهى.
ومعناه أنه يهوي بصاحبه في الهواء الممدود وهو الفضاء. أي ينزل به عن درجة عليا إلى ما دونها.
فهو في سفو ل ما دام تابعًا له لأنه بحيث لا قرأر ولا تمكن. فلذلك هو يوجب الهوان. قال الأصبهاني: سئل ابن المقفع عن الهوى. فقال: هو ان سرقة نونه. فنظمه من قال:
نون الهوان من الهوى مسروقة ** وأسير كل هو ى أسير هو ان

وقال آخر ولم يخطئ المعنى وأجاد:
إن الهوى لهوالهوان بعينه ** فإذا هو يت فقد لقيت هو انا

{وأضله الله} أي بما له من الإحاطة {على علم} منه بما فطر عليه من أنه لا يكون أثر بلا مؤثر. ومن أنه لا يكون منفردًا بالملك إلا وهو مستحق للتفرد بالعبادة. وهو أنه لم يخلق الكون إلا حكيم. وأن الحكيم لا يدع من تحت يده يبغي بعضهم على بعض من غير فصل بينهم لاسيما وقد وعد بذلك ولاسيما والوعد بذلك في أساليب الإعجاز التي هم أعرف الناس بها. أو على علم من المضل بأن الضال مستحق لذلك لأنه جبله جبلة شر.
ولما كان الضال أحوج إلى سماع صوت الهادي منه إلى غيره. وكان من لا ينتفع بما هو له في حكم العادم له قال: {وختم} أي زيادة على الإضلال الحاضر {على سمعه} فلا فهم له في الآيات المسموعة.
ولما كان الأصم قد يفهم بالإشارة قال: {وقلبه} أي فهو لا يعي ما من حقه وعيه.
ولما كان المجنون الأصم قد يبصر مضاره ومنافعه فيباشرها مباشرة البهائم قال: {وجعل على بصره غشاوة} فصار لا يبصر الآيات المرئية. وترتيبها هكذا لأنها في سياق الإضلال كما تقدم في البقرة.
ولما صار هذا الإنسان الذي صار لا يسمع الهادي فيقصده ولا يعي المعاني لينتفع بما تقدم له علمه. ولا يبصر حق البصر ليهتدي ببصره دون رتبة الحيوان. قال تعالى منكرًا مسببًا للأنكار عما تقدمه: {فمن يهديه} وأشار إلى قدرة الله عليه بقوله: {من بعد الله} أي إضلال الذي له الإحاطة بكل شيء.
ولما كان من المعلوم قطعًا أنه لا هادي له غيره. سبب عنه الأنكار لعدم التذكر حثًا على التذكر فقال مشيرًا بإدغام تاء التفعل إلى عدم الاحتياج بسبب وضوحه إلى كثير تذكر: {أفلا تذكرون} أي يكون لكم نوع تذكر فتذكرون أنهم لا يسمعون الآيات المتلوة ولا يعتبرون بالآيات المرئية مع ما لكل منهما من الظهور. وأن من كان هذا حاله فلا سبيل لمخلوق مثله إلى هدايته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما بيّن الله تعالى الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه الذي تقدم. بيّن الفرق بينهما من وجه آخر. فقال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} وفيه مباحث:
البحث الأول: {أَمْ} كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفًا على شيء آخر. سواء كان ذلك المعطوف مذكورًا أو مضمرًا. والتقدير ههنا: أفيعلم المشركون هذا. أم يحسبون أنا نتو لاهم كما نتو لى المتقين؟
البحث الثاني: الاجتراح: الاكتساب. ومنه الجوارح. وفلأن جارحة أهله. أي كاسبهم. قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} [الأنعام: 60].
البحث الثالث: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم. وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. قالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء. ولوكان ما تقولون حقًا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة. كما أنا أفضل حالًا منكم في الدنيا. فأنكر الله عليهم هذا الكلام. وبيّن أنه لا يمكن أن يكون حال لمؤمن المطيع مساويًا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب. ومنازل السعادات.
واعلم أن لفظ {حَسِبَ} يستدعي مفعولين أحدهما: الضمير المذكور في قوله: {أَن نَّجْعَلَهُمْ} والثاني: الكاف في قوله: {كالذين ءآمنوا} والمعنى أحسب هؤلاء المجترحين أن نجعلهم أمثال الذين آمنوا؟ ونظيره قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَو ونَ}.
[السجدة: 18] وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين ءآمنوا في الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ ولهُمُ اللعنة ولهُمْ سُوء الدار} [غافر: 51. 52] وقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35. 36] وقوله: {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين في الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} [ص: 28].
ثم قال تعالى: {سَوَاء مَّحْيَاهُمْ ومماتهم} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {سواء} بالنصب. والباقون بالرفع. واختيار أبي عبيد النصب. أما وجه القراءة بالرفع. فهو أن قوله: {مَّحْيَاهُمْ ومماتهم} مبتدأ والجملة في حكم المفرد في محل النصب على البدل من المفعول الثاني لقوله: {أَمْ نَجْعَلُ} وهو الكاف في قوله: {كالذين ءآمنوا} ونظيره قوله: ظننت زيدًا أبوه منطلق. وأما وجه القراءة بالنصب فقال صاحب (الكشاف) أجرى سواء مجرى مستويًا. فارتفع محياهم ومماتهم على الفاعلية وكان مفردًا غير جملة. ومن قرأ {ومماتهم} بالنصب جعل {مَّحْيَاهُمْ ومماتهم} ظرفين كمقدم الحاج. وخفوق النجم. أي سواء في محياهم وفي مماتهم. قال أبو علي من نصب سواء جعل المحيا والممات بدلًا من الضمير المنصوب في نجعلهم فيصير التقدير أن نجعله محياهم ومماتهم سواء. قال ويجوز أن نجعله حالًا ويكون المفعول الثاني هو الكاف في قوله: {كالذين}.
المسألة الثانية:
اختلفوا في المراد بقوله: {مَّحْيَاهُمْ ومماتهم} قال مجاهد عن ابن عباس يعني أحسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم. كلا فإنهم يعيشون كافرين ويموتون كافرين والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين. وذلك لأن المؤمن ما دام يكون في الدينا فإنه يكون وليه هو الله وأنصاره المؤمنون وحجة الله معه. والكافر بالضد منه. كما ذكره في قوله: {وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أوليَاء بَعْضٍ} وعند القرب إلى الموت. فإن حال المؤمن ما ذكره في قوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ يَقولونَ سلام عَلَيْكُمُ ادخلوا الجنة} [النمل: 32] وحال الكافر ما ذكره في قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ} [النحل: 28] وأما في القيامة فقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ ووجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 38- 41] فهذا هو الإشارة إلى بيان وقوع التفاوت بين الحالتين والوجه الثاني: في تأويل الآية أن يكون المعنى إنكار أن يستووا في الممات كما استو وا في الحياة. وذلك لأن المؤمن والكافر قد يستوي محياهم في الصحة والرزق والكفاية بل قد يكون الكافر أرجح حالًا من المؤمن. وإنما يظهر الفرق بينهما في الممات والوجه الثالث: في التأويل أن قوله: {سَوَاء مَّحْيَاهُمْ ومماتهم} مستأنف على معنى أن محيا المسيئين ومماتهم سواء فكذلك محيا المسحنين ومماتهم. أي كل يموت على حسب ما عاش عليه. ثم إنه تعالى صرح بإنكار تلك التسوية فقال: {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} وهو ظاهر.
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ولتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)}.
اعلم إنه تعالى لما أفتى (1) بأن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السعادات. أتبعه بالدلالة الظاهرة على صحة هذه الفتوى. فقال: {وَخَلَقَ الله السموات والأرض بالحق} ولولم يوجد البحث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل. لأنه تعالى لما خلق الظالم وسلّطه على المظلوم الضعيف. ثم لا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالمًا. ولوكان ظالمًا لبطل أنه خلق السموات والأرض بالحق وتمام تقرير هذه الدلائل مذكور في أول سورة يونس. قال القاضي هذه الآية تدل على أن في مقدور الله ما لوحصل لكان ظلمًا. وذلك لا يصح إلا على مذهب المجبرة الذين يقولون لوفعل كل شيء أراده لم يكن ظلمًا. وعلى قول من يقول إنه لا يوصف بالقدرة على الظلم. وأجاب الأصحاب عنه بأن المراد فعل ما لوفعله غيره لكان ظلمًا كما أن المراد من الابتلاء والاختبار فعل ما لوفعله غيره لكان ابتلاءً واختبارًا. وقوله تعالى: {ولتجزى} فيه وجهان: الأول: أنه معطوف على قوله: {بالحق} فيكون التقدير وخلق الله السموات والأرض لأجل إظهار الحق ولتجزى كل نفس. الثاني: أن يكون العطف على محذوف. والتقدير: وخلق الله السموات والأرض بالحق ليدل بهما على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العلم إظهار العدل والرحمة. وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين. ثم عاد تعالى إلى شرح أحوال الكفار وقبائح طوائفهم. فقال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هواه} يعني تركوا متابعة الهدى وأقبلوا على متابعة الهوى فكانوا يعبدون الهوى كما يعبد الرجل إلهه. وقرئ {الهته هواه} كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه وذهب خلفه. فكأنه اتخذ هواه الهة شتى يعبد كل وقت واحدًا منها.
ثم قال تعالى: {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} يعني على علم بأن جوهر روحه لا يقبل الصلاح. ونظيره في جانب التعظيم قوله تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وتحقيق الكلام فيه أن جواهر الأرواح البشرية مختلفة فمنها مشرقة نورانية علوية إلهية. ومنها كدرة ظلمانية سفلية عظيمة الميل إلى الشهوات الجسمانية. فهو تعالى يقابل كلًا منهم بحسب ما يليق بجوهره وماهيته. وهو المراد من قوله: {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} في حق المردودين وبقوله: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} في حق المقبو لين.
ثم قال: {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} فقوله: {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} هو المذكور في قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} [البقرة: 6] إلى قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] وقوله: {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} هو المراد من قوله: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة: 7] وكل ذلك قد مرّ تفسيره في سورة البقرة باللاستقصاء. والتفاوت بين الآيتين أنه في هذه الآية قدم ذكر السمع على القلب. وفي سورة البقرة قدم القلب على السمع. والفرق أن الإنسان قد يسمع كلامًا فيقع في قلبه منه أثر. مثل أن جماعة من الكفار كانوا يلقون إلى الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن وأنه يطلب الملك والرياسة. فالسامعون إذا سمعوا ذلك أبغضوه ونفرت قلوبهم عنه. وأما كفار مكة فهم كانوا يبغضونه بقلوبهم بسبب الحسد الشديد فكانوا يستمعون إليه. ولوسمعوا كلامه ما فهموا منه شيئًا نافعًا. ففي الصورة الأولى كان الأثر يصعد من البدن إلى جوهر النفس. وفي الصورة الثانية كان الأثر ينزل من جوهر النفس إلى قرأر البدن. فلما اختلف القسمان لا جرم أرشد الله تعالى إلى كلا هذين القسمين بهذين الترتيبين اللذين نبهنا عليهما ولما ذكر الله تعالى هذا الكلام قال: {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} أي من بعد أن أضله الله {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أيها الناس. قال الواحدي وليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة. لأن الله تعالى صرّح بمنعه إياهم عن الهدى حين أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره. وأقول هذه المناظرة قد سبقت بالاستقصاء في أول سورة البقرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات} أي اكتسبوها.
والاْجتراح: الاْكتساب؛ ومنه الجوارح. وقد تقدم في المائدة.
{أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} قال الكلبي: {الَّذِينَ اجْتَرَحُوا} عُتبة وشَيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.
و{الَّذِينَ آمنوا} عليّ وحمزة وعُبيدة بن الحارث رضي الله عنهم حين برزوا إليهم يوم بدر فقتلوهم.
وقيل: نزلت في قوم من المشركين قالوا: إنهم يعطون في الآخرة خيرًا مما يعطاه المؤمن؛ كما أخبر الربّ عنهم في قوله: {ولئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50].
وقوله: {أَمْ حَسِبَ} استفهام معطوف معناه الأنكار.
وأهل العربية يجوّزون ذلك من غير عطف إذا كان متوسطًا للخطاب.
وقوم يقولون: فيه إضمار؛ أي والله وليّ المتقين أفيعلم المشركون ذلك أم حسبوا أنا نسوّي بينهم.
وقيل: هي أم المنقطعة. ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان.
وقراءة العامة {سَوَاءٌ} بالرفع على أنه خبر ابتداء مقدّم. أي محياهم ومماتهم سواء.
والضمير في {مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} يعود على الكفار. أي محياهم محيا سوء ومماتهم كذلك.
وقرأ حمزة والكسائي والأعمش {سَوَاء} بالنصب. واختاره أبو عبيد قال: معناه نجعلهم سواء.
وقرأ الأعمش أيضًا وعيسى بن عمر {وَمَمَاتَهم} بالنصب؛ على معنى سواء في محياهم ومماتهم؛ فلما أسقط الخافض انتصب.
ويجوز أن يكون {مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} بدلًا من الهاء والميم في نجعلهم؛ المعنى: أن نجعل محياهم ومماتهم سواء كمحيا الذين آمنوا ومماتهم.
ويجوز أن يكون الضمير في {مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} للكفار والمؤمنين جميعًا.
قال مجاهد: المؤمن يموت مؤمنًا ويبعث مؤمنًا. والكافر يموت كافرًا ويبعث كافرًا.
وذكر ابن المبارك أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي الضّحا عن مسروق قال: قال رجل من أهل مكة: هذا مقام تميم الداري. لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أوقرب أن يُصبح يقرأ آية من كتاب الله ويركع ويسجد ويبكي {أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} الآية كلها.
وقال بشير: بِتّ عند الربيع بن خيثم ذات ليلة فقام يصلي فمرّ بهذه الآية فمكث ليله حتى أصبح لم يَعْدُها ببكاء شديد.
وقال إبراهيم بن الأشعث: كثيرًا ما رأيت الفُضيل بن عياض يردّد من أول الليل إلى آخِره هذه الآية ونظيرها. ثم يقول: ليت شعري! من أي الفريقين أنت؟ وكانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين لأنها محكمة.
قوله تعالى: {وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق} أي بالأمر الحق.
{ولتجزى} أي ولكي تجزى.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي في الآخرة.
{وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هواه وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}.